مشهد تجارة التجزئة يتغير جذرياً. لم تعد المعركة تقتصر على جذب انتباه البشر، بل أصبحت تعتمد على كيفية رؤية الخوارزميات لعلامتك التجارية. نستكشف كيف يمكن لتجار التجزئة في الشرق الأوسط التكيف مع هذا الواقع الجديد حيث يتولى الذكاء الاصطناعي قرارات الشراء.
- مقدمة: عصر المتسوق الآلي
- التحول الرقمي المتسارع في الشرق الأوسط
- 1. تحسين البيانات للمتسوق الآلي
- 2. إتقان تجربة الهاتف المحمول
- 3. وسائط التجزئة كأصول استراتيجية
- 4. بناء الشفافية في التخصيص
- 5. الاستعداد لعصر «التسوق بالوكالة»
- 6. الاستفادة من الميزة الرقمية للإمارات
- الخاتمة: البيانات والثقة هما مفتاح الظهور
- FAQs
مقدمة: عصر المتسوق الآلي

تخيل أن متسوقاً في دبي يسأل مساعده الرقمي: «ما هي أفضل ساعة ذكية بسعر أقل من 1000 درهم؟». في الماضي غير البعيد، كانت النتيجة ستكون مجرد قائمة روابط بحث. أما اليوم، فمن المرجح أن يقدم مساعد الذ
كاء الاصطناعي الإجابة الحاسمة أولاً. لم تعد نماذج اللغة الكبيرة تكتفي بسرد المنتجات المتاحة؛ بل أصبحت تقوم بمهام معقدة مثل تصفية الخيارات، ومقارنتها بعمق، وتقديم توصيات دقيقة، مما يغير جذرياً كيفية اكتشاف المستهلكين للمنتجات واختيارها وشرائها.
بالنسبة لتجار التجزئة، هذا يعني أن ساحة المعركة من أجل الظهور قد تغيرت تماماً. لم يعد الأمر يتعلق فقط بالكلمات المفتاحية الجذابة أو الإعلانات البصرية المبهرة للبشر، بل أصبح يتعلق بضرورة أن تتعرف الخوارزميات على منتجاتك وتمنحها الأولوية. في هذا المقال، يوضح ديفيد كوايف، المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة باترن (Pattern)، كيف يمكن للشركات البقاء في المقدمة في هذا السوق الجديد الذي تقوده الآلات.
التحول الرقمي المتسارع في الشرق الأوسط
في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يكتسب هذا التحول زخماً هائلاً. تشير التوقعات إلى أن التجارة الإلكترونية في دولة الإمارات العربية المتحدة ستستمر في النمو بمعدلات مضاعفة، حيث تتم الآن أكثر من 80% من المعاملات عبر الهواتف الذكية. لقد أدت الابتكارات في التكنولوجيا المالية (الفينتك)، بدءاً من المحافظ الرقمية وصولاً إلى منصة المدفوعات الفورية الجديدة في الإمارات «آني» (Aani)، إلى جعل عملية الدفع سلسة للغاية وشبه خالية من الاحتكاك. عملية الشراء التي كانت تستغرق دقائق يمكن الآن إتمامها في ثوانٍ معدودة.
يمكن رؤية لمحة واضحة عن هذا الواقع الجديد في صعود مساعدي التسوق المدعومين بالذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، يوضح مساعد أمازون «روفوس» (Rufus) كيف أن التوصيات الشخصية القائمة على المحادثة تزيد بشكل كبير من تفاعل العملاء ومعدلات إتمام الشراء. مع تزايد سهولة التسوق الذي تقوده الآلة، يتحول كل جزء من المعلومات—سواء كان وصف منتج، أو مراجعة عميل، أو وعد بالتسليم—إلى نقطة بيانات حاسمة تحدد مدى ظهور العلامة التجارية في سوق يعتمد بشكل أساسي على الخوارزميات.
1. تحسين البيانات للمتسوق الآلي
يعتمد مساعدو الذكاء الاصطناعي بشكل كامل على بيانات المنتج الواضحة والمتسقة والكاملة. إذا كان كتالوج منتجاتك يفتقر إلى تفاصيل أساسية، مثل المقاسات الدقيقة، أو الصور عالية الجودة، أو معلومات التوفر المحدثة، أو شروط التسليم الواضحة، فقد تصبح منتجاتك غير مرئية تماماً في النتائج التي يولدها الذكاء الاصطناعي.
فكر في هذا كشكل جديد ومتقدم من تحسين محركات البحث (SEO). يجب أن تكون بيانات المنتج منظمة وقابلة للقراءة آلياً. كما أن الاتساق في المعلومات عبر موقعك الإلكتروني، والأسواق الإلكترونية (مثل أمازون ونون)، ومنصات التواصل الاجتماعي يساعد الخوارزميات على التحقق من صحة المعلومات وموثوقيتها. الذكاء الاصطناعي يكافئ الدقة والوضوح. العلامات التجارية التي تجعل بياناتها سهلة التفسير للخوارزميات ستكون هي التي تظهر في أغلب الأحيان للعملاء المحتملين.
2. إتقان تجربة الهاتف المحمول
تعد دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر أسواق التجزئة التي يقودها الهاتف المحمول في العالم. يتصفح المتسوقون ويقارنون ويشترون غالباً ضمن نفس التطبيق، ويقول ثلثا المستهلكين المحليين إن أحدث عملية شراء قاموا بها كانت عبر الهاتف الذكي.
الفوز بهؤلاء العملاء يتطلب تقديم السرعة والبساطة الفائقة. يشمل ذلك صفحات تحميل سريعة جداً، وخيارات دفع بنقرة واحدة، وجداول زمنية شفافة للتسليم، وعمليات إرجاع سهلة. إن دمج حلول مثل «آني» يتيح الدفع الفوري واسترداد الأموال بسرعة، بينما تجذب المحافظ الرقمية وخيارات «اشتر الآن وادفع لاحقاً» المستهلكين الباحثين عن المرونة. تجربة الهاتف المحمول السلسة لا تعزز المبيعات فحسب، بل تحسن معدلات إتمام الشراء، وهي إشارة حيوية تستخدمها الخوارزميات عند تصنيف تجار التجزئة.
3. وسائط التجزئة كأصول استراتيجية
تتحول وسائط التجزئة (Retail Media) بسرعة إلى قناة أداء قوية قابلة للقياس ومدفوعة بالذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، شبكة ماجد الفطيم المدعومة بالذكاء الاصطناعي في كارفور تربط بين جمهور المتجر الفعلي والحملات الرقمية، مما يوفر رؤية فورية حول كيفية ترجمة الزيارات الفعلية إلى مبيعات حقيقية.
بالنسبة لتجار التجزئة، هذا يعني أن شاشات العرض في المتاجر، وإعلانات الأسواق الإلكترونية، والمواضع على وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الآن جزءاً من نظام بيئي واحد متصل. يمكن لكل انطباع أو تفاعل أن يغذي حلقة البيانات التي تستخدمها الخوارزميات لتقييم الأداء وتحديد المنتجات التي ستوصي بها بعد ذلك.
4. بناء الشفافية في التخصيص
مع ازدياد طابع التخصيص في تجارة التجزئة، يزداد التدقيق في خصوصية البيانات. يضع قانون حماية البيانات الشخصية (PDPL) في الإمارات معايير واضحة للموافقة والشفافية. يريد المتسوقون الراحة والتجارب المخصصة، ولكنهم يتوقعون أيضاً وضوحاً كاملاً حول كيفية جمع معلوماتهم واستخدامها.
يجب على تجار التجزئة التركيز على «بيانات الطرف الصفري» (Zero-party data)، وهي المعلومات التي يشاركها العملاء طواعية ومباشرة لتحسين تجربتهم، مع شرح واضح لكيفية استفادتهم من ذلك. إن توفير خيارات موافقة واضحة والقدرة على التحدث إلى ممثل خدمة عملاء بشري عند الحاجة يبني الثقة والولاء. بمرور الوقت، ستصبح الثقة عاملاً مميزاً تأخذه حتى الخوارزميات في الاعتبار عند تقديم توصياتها.
5. الاستعداد لعصر «التسوق بالوكالة»
نحن ندخل الآن عصر «التجارة بالوكالة» (Agentic Commerce)، حيث يمكن للمساعدين الرقميين (الوكلاء) العمل بشكل مستقل لمقارنة المنتجات واختيارها وحتى شرائها نيابة عن العميل. وقد نصحت مؤسسات بحثية رائدة مثل جارتنر (Gartner) تجار التجزئة بالبدء في تجربة هذا المفهوم من الآن.
نقطة البداية العملية هي اختبار كيفية ظهور علامتك التجارية من خلال أوامر الذكاء الاصطناعي مثل «أفضل مسحوق بروتين للتعافي» أو «أفضل العلامات التجارية المنزلية المستدامة». إذا لم تظهر منتجاتك، فقد تكون هناك فجوات في البيانات الوصفية، أو المراجعات، أو الأسعار، أو التوفر. أدوات مثل «Geo Scorecard» من شركة باترن يمكن أن تساعد في تحديد أين تنهار الرؤية وما الذي يحتاج إلى تحسين. تجار التجزئة الذين يتكيفون بسرعة مع عمليات الشراء التي تقودها الآلة سيكونون في وضع يسمح لهم بالازدهار مع تسارع تبني الذكاء الاصطناعي.
6. الاستفادة من الميزة الرقمية للإمارات
تقدم أسواق قليلة في العالم مثل هذه الأرض الخصبة للابتكار التي توفرها الإمارات. تهدف الدولة إلى مضاعفة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2031، وتتوسع القدرات اللوجستية بسرعة فائقة. يوضح مركز الشحن الجديد لشركة أمازون في أبوظبي، الذي يتيح التوصيل في نفس اليوم لمزيد من العملاء، كيف يعزز الاستثمار في السرعة والبنية التحتية من ظهور العلامة التجارية وثقة المستهلك.
مع وجود أطر عمل واضحة للتكنولوجيا المالية، وخصوصية البيانات، والتجارة الرقمية، توفر الإمارات أساساً مستقراً لازدهار تجارة التجزئة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، محلياً وكنقطة انطلاق للنمو الدولي.
الخاتمة: البيانات والثقة هما مفتاح الظهور
في نهاية المطاف، لقد تغيرت قواعد لعبة الظهور بشكل دائم. لم يعد الأمر يتعلق بمن ينفق أكثر على الإعلانات، بل بمن تستطيع الآلات فهم بياناته والثقة بها. تجار التجزئة الذين يستثمرون اليوم في كتالوجات منتجات نظيفة ودقيقة، وتجارب هاتف محمول سلسة، وممارسات بيانات شفافة، سيكونون هم الذين يوصي بهم مساعدو الذكاء الاصطناعي غداً.
FAQs
س1: ما المقصود بـ «التجارة الخوارزمية»؟
ج1: التجارة الخوارزمية تشير إلى بيئة التسوق التي تلعب فيها الخوارزميات وأنظمة الذكاء الاصطناعي الدور الرئيسي في تصفية المنتجات ومقارنتها والتوصية بها للمستهلكين، مما يغير كيفية اكتشاف المنتجات واتخاذ قرارات الشراء.
س2: ما هي «التجارة بالوكالة» (Agentic Commerce) وكيف تختلف عن التسوق التقليدي؟
ج2: هي المرحلة التالية من التجارة الإلكترونية، حيث يقوم وكيل ذكاء اصطناعي (مساعد رقمي) باتخاذ قرارات الشراء وتنفيذ المعاملات بشكل مستقل نيابة عن المستخدم، بناءً على تفضيلاته المحددة مسبقاً، بدلاً من قيام المستخدم بالبحث والشراء يدوياً في كل مرة.
س3: ما هي أهم خطوة يجب على تجار التجزئة اتخاذها للتكيف مع هذا التغيير؟
ج3: الخطوة الأكثر أهمية هي الاستثمار في جودة ودقة بيانات المنتجات. يجب أن تكون البيانات كاملة، ومنظمة، ومتسقة عبر جميع المنصات، لأن الخوارزميات تعتمد كلياً على هذه البيانات لتقييم المنتجات والتوصية بها.
س4: ما هي «بيانات الطرف الصفري» (Zero-party data)؟
ج4: هي البيانات التي يشاركها العميل بشكل استباقي ومقصود مع علامة تجارية، مثل تفضيلات الأسلوب، أو نوايا الشراء المستقبلية، أو الاهتمامات الشخصية، بهدف الحصول على تجربة تسوق أفضل وأكثر تخصيصاً.
س5: لماذا تعتبر تجربة الهاتف المحمول حاسمة جداً في الإمارات؟
ج5: لأن أكثر من 80% من المعاملات التجارية الإلكترونية في الإمارات تتم عبر الهواتف الذكية. تجربة المحمول السلسة والسريعة ليست فقط مفضلة لدى المستهلكين، ولكنها أيضاً تؤثر إيجاباً على كيفية تصنيف الخوارزميات للمتجر.