يواجه المجتمع الأكاديمي في مجال الذكاء الاصطناعي تحدياً غير مسبوق يتعلق بالمصداقية والجودة. فقد أثار ادعاء باحث واحد تأليفه لأكثر من 100 ورقة علمية في عام واحد موجة من الانتقادات والتحذيرات من قبل الخبراء، الذين وصفوا الوضع الحالي بأنه “كارثة” تهدد بإغراق المؤتمرات العلمية ببحوث منخفضة القيمة.
محتويات المقالة:
- ظاهرة المؤلف الخارق وقضية كيفن تشو
- مفهوم البرمجة بالمشاعر وردود الخبراء
- أزمة المؤتمرات وفيضان الأوراق البحثية
- انهيار نظام مراجعة الأقران
- تأثير الضجيج على التقدم العلمي
- أسئلة شائعة
ظاهرة المؤلف الخارق وقضية كيفن تشو
تتركز الأضواء حالياً على كيفن تشو، وهو خريج حديث من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، الذي أثار جدلاً واسعاً بادعائه تأليف 113 ورقة بحثية أكاديمية حول الذكاء الاصطناعي خلال هذا العام وحده. ومن المقرر تقديم 89 من هذه الأوراق في أحد المؤتمرات العالمية الرائدة للذكاء الاصطناعي هذا الأسبوع. يدير تشو حالياً شركة “ألجوفرس” (Algoverse)، وهي شركة متخصصة في أبحاث الذكاء الاصطناعي وتوجيه طلاب المدارس الثانوية، والذين يشارك الكثير منهم كمؤلفين مشاركين في هذه الأوراق.
تغطي الأوراق التي نشرها تشو مجموعة واسعة من المواضيع المعقدة، بدءاً من استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد مواقع الرعاة الرحل في أفريقيا جنوب الصحراء، وصولاً إلى تقييم الآفات الجلدية وترجمة اللهجات الإندونيسية. وقد تباهى تشو عبر حسابه على “لينكد إن” بأن أوراقه تم الاستشهاد بها من قبل مؤسسات بحثية وتكنولوجية كبرى مثل أوبن أي آي، ومايكروسوفت، وجوجل، وجامعات ستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
مفهوم البرمجة بالمشاعر وردود الخبراء
لم تمر هذه الغزارة في الإنتاج دون انتقادات حادة. فقد وصف هاني فريد، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة بيركلي، أوراق تشو بأنها “كارثة” علمية. وقال فريد في مقابلة صحفية: “أنا مقتنع تماماً بأن الأمر برمته، من الألف إلى الياء، هو مجرد (برمجة بالمشاعر) أو Vibe Coding”، وهو مصطلح يشير إلى ممارسة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإنشاء برمجيات ونصوص دون فهم عميق للمبادئ العلمية والتقنية التي تقوم عليها.
في رده على هذه الاتهامات، دافع تشو عن نفسه قائلاً إنه أشرف على 131 ورقة بحثية كجزء من “مساعي جماعية” تديرها شركته، التي تتقاضى رسوماً قدرها 3325 دولاراً من الطلاب مقابل برنامج توجيهي مدته 12 أسبوعاً. واعترف بأن الفرق استخدمت “أدوات الإنتاجية القياسية” وأحياناً نماذج اللغة للتحرير وتحسين الوضوح، لكنه أصر على أصالة العمل.
أزمة المؤتمرات وفيضان الأوراق البحثية
تشير حالة تشو إلى مشكلة أعمق وأكثر شمولاً في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي. تتعرض المؤتمرات الكبرى مثل “نيوريبس” (NeurIPS) لضغط هائل نتيجة الزيادة الكبيرة في عدد المشاركات، حيث تلقت 21,575 ورقة هذا العام، مقارنة بأقل من 10,000 ورقة في عام 2020. كما أبلغ مؤتمر دولي آخر (ICLR) عن زيادة بنسبة 70% في التقديمات لعام 2026.
يتساءل المراقبون عما إذا كانت هذه “الوليمة الأكاديمية” قد فقدت قيمتها بسبب رداءة الجودة والشكوك حول استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد الأوراق. وقد لاحظ المدونون التقنيون انخفاضاً في متوسط الدرجات التي يمنحها المراجعون للأوراق عاماً بعد عام، مما يشير إلى تراجع عام في الجودة.
انهيار نظام مراجعة الأقران
تختلف معايير المراجعة لأبحاث الذكاء الاصطناعي عن المجالات العلمية التقليدية مثل الكيمياء والأحياء، حيث لا تخضع لنفس الصرامة في مراجعة الأقران. ونظراً للأعداد الهائلة، اضطر مؤتمر “نيوريبس” للاستعانة بأعداد كبيرة من طلاب الدكتوراه لفحص الأوراق، مما أثار مخاوف بشأن كفاءة ودقة المراجعة. يقول جيفري والينج، الأستاذ المشارك في جامعة فرجينيا تيك: “الواقع هو أن حكام المؤتمرات يجب أن يراجعوا عشرات الأوراق في وقت قصير، وعادة ما يكون هناك القليل من التنقيح”.
وأضاف والينج أن الأكاديميين يكافئون حالياً على “حجم النشر” أكثر من الجودة، مما يعزز “أسطورة الإنتاجية الفائقة” ويدفع الباحثين والطلاب للمشاركة في سباق محموم لزيادة عدد منشوراتهم بأي ثمن.
تأثير الضجيج على التقدم العلمي
يحذر الخبراء من أن التكلفة الحقيقية لهذا “الفيضان” من الأوراق الرديئة هي صعوبة معرفة ما يحدث بالفعل في مجال الذكاء الاصطناعي. يقول هاني فريد: “نسبة الإشارة إلى الضوضاء هي واحد تقريباً. بالكاد أستطيع الذهاب إلى هذه المؤتمرات ومعرفة ما يحدث”. هذا الوضع يضع الباحثين الجادين الذين يرغبون في القيام بعمل مدروس ودقيق في موقف غير مؤاتٍ، حيث يجدون أنفسهم “منزوعي السلاح” أمام أولئك الذين يغرقون المؤتمرات بأعمال سطحية وسريعة.
وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة، لا يزال هناك عمل ممتاز يخرج من هذه المؤتمرات، مثل ورقة جوجل الشهيرة حول “المحولات” التي كانت الأساس لثورة الذكاء الاصطناعي الحالية. لكن التحدي الآن يكمن في كيفية تنقية هذا المجال العلمي من “الشوائب” والحفاظ على نزاهته ومصداقيته في المستقبل.
أسئلة شائعة
السؤال: ما هي مشكلة “الأبحاث الرديئة” (Slop) في الذكاء الاصطناعي؟
الإجابة: هي زيادة هائلة في الأوراق العلمية منخفضة الجودة، غالباً ما تكون مولدة بمساعدة أدوات الذكاء الاصطناعي، مما يغرق المؤتمرات ويصعب تمييز العلم الحقيقي.
السؤال: كيف تمكن باحث واحد من نشر أكثر من 100 ورقة في سنة؟
الإجابة: من خلال إدارة شركة توجيه لطلاب المدارس، حيث يشرف على مشاريعهم ويضع اسمه كمؤلف مشارك، مستفيداً من معايير النشر السريعة في مؤتمرات الذكاء الاصطناعي.
السؤال: ما هو تأثير ذلك على مستقبل الذكاء الاصطناعي؟
الإجابة: يؤدي إلى فقدان الثقة في الأبحاث المنشورة، وإرهاق المراجعين، ويجعل من الصعب على الباحثين الجادين والجمهور معرفة التطورات الحقيقية والهامة في المجال.