بين شيفرات الترجمة وخوارزميات النسخ، تنطلق معركة الابتكار ضد السرقة لحماية الحقوق الرقمية، حيث تبتكر فامي وسائل لمنع روبوتات الذكاء الاصطناعي من استغلال محتواها
يشهد موقع يوتيوب انتشارًا متزايدًا للقنوات غير الظاهرة التي لا يظهر فيها أي شخص يتحدث أمام الكاميرا، إذ يعتمد بعضها على أشخاص حقيقيين لا يرغبون في الظهور، بينما يقوم بعضها الآخر على أدوات الذكاء الاصطناعي بالكامل لإنتاج النصوص والتعليقات الصوتية والصور والموسيقى. ومع تصاعد هذه الموجة، باتت الشكاوى من منشئي المحتوى الأصليين تتضاعف، خصوصًا مع قيام القنوات الآلية بسرقة نصوصهم واستخدامها في إنشاء مقاطع فيديو مقلّدة تهدف إلى جني الأرباح دون بذل جهد حقيقي.
ظاهرة السرقة الآلية للمحتوى
1. تحويل النصوص المسروقة إلى ملخصات: تستغل بعض القنوات ملفات النصوص الأصلية التي يتيحها يوتيوب (سواء كانت مرفقة بقسم الترجمة أو قُرئت آليًا)، ثم تقوم بتمريرها عبر أدوات تلخيص ذكية، فتنتج نسخة مختصرة من المحتوى الأصلي.
2. القنوات الربحية السريعة: يسعى القائمون على هذه القنوات إلى تحقيق عوائد مالية باستخدام خوارزميات يوتيوب ذاتها، عبر نشر كميات كبيرة من المحتوى الآلي في وقت قياسي، دون أدنى جهد إبداعي.
خطة إفشال المحتوى المسروق
حاولت صانعة المحتوى «فامي» مواجهة هذه الظاهرة من خلال حقن ملفات الترجمة بتفاصيل مضللة وغير مرئية للمتابع البشري، ولكنها تؤثر على النتائج التي تنتجها أدوات الذكاء الاصطناعي بهدف حماية الحقوق الرقمية. وبالاستعانة بصيغة ملفات الترجمة (.ass) الشهيرة، والتي تتيح خيارات متقدمة مثل تغيير الألوان وتحريك النص وتغيير مواضعه، أضافت فامي نصوصًا لا تظهر على الشاشة ضمن فواصل زمنية معينة، بحيث تختلط بتلك النصوص الحقيقية.
الاستراتيجية التقنية
1. إضافة نصوص مُشوشة: تم إدراج مقاطع نصية بألوان وشفافية وزوايا عرض تجعلها غير مرئية للمشاهد البشري، ولكن عند قراءتها من قِبل أداة تلخيص أو تحليل نصي بالذكاء الاصطناعي، تختلط هذه المقاطع الخاطئة مع النص الأصلي.
2. استبدال الكلمات بتعابير مرادفة: لتجنب التعرّف التلقائي على النصوص المكررة، قامت فامي بإدخال تعابير مختلفة لكلمات رئيسية، ما يصعّب على الأدوات الآلية استخراج المعنى الدقيق.
3. تقسيم الحروف وتقديمها بترتيب مختلف: في بعض الأحيان، لجأت فامي إلى تجزئة الكلمات إلى حروف فردية، ثم إعادة ترتيبها في ملف الترجمة، بينما يعرض الفيديو الكلمة صحيحة للمشاهد. الهدف هو تضليل تقنيات تلخيص النصوص الآلية.
نتائج ومحدودية الطريقة
1. تأثير جزئي: لاحظت فامي أن بعض الأدوات البسيطة وقعت في الفخ وأنتجت تلخيصات غير متماسكة.
2. مقاومة الأدوات المتقدمة: على الجانب الآخر، نماذج متطورة مثل شات جي بي تي أو1 تمكنت أحيانًا من تجاهل النصوص الخاطئة واستخراج المعنى الصحيح من المحتوى الفعلي.
3. مشكلات فنية: ظهرت بعض الأخطاء في العرض على الهواتف الذكية التي لا تدعم صيغة (.ass) بشكل كامل، كما شكا بعض المستخدمين من انغلاق التطبيق أو تعتيم الشاشة عند تشغيل الترجمة. ورغم ذلك، استمرت فامي في تجربة طرق بديلة.
صراع طويل الأمد
يُنظر إلى جهد فامي كخطوة ضمن جهود أوسع لمكافحة سرقة المحتوى من قبل منصات الذكاء الاصطناعي وحماية الحقوق الرقمية. ومع تكثيف هذه المحاولات، يتوقع كثيرون أن يبتكر المبدعون أساليب جديدة تخفي المحتوى الضار في ملفاتهم المرئية أو الصوتية، بهدف تخريب عملية الاستخلاص الآلي. ومع هذا، فإن أدوات استخراج النصوص من الصوت مباشرةً أو قراءة الشاشة قد تبقى قادرة على الالتفاف حول هذه الأساليب.
نظرة مستقبلية
تشير هذه المعركة الصغيرة إلى معركة أشمل تدور بين مبتكري المحتوى الذين يرغبون في حماية حقوقهم الفكرية، والشركات أو الأفراد الذين يرون في الذكاء الاصطناعي وسيلة سريعة لجني الأرباح. ومن المحتمل أن تشهد الفترة المقبلة تدخلات تشريعية أقوى أو اعتماد تقنيات تشفير للنصوص المرئية والصوتية. وفي نهاية المطاف، تظل إرادة صانعي المحتوى في إيجاد حيل خلاقة لردع السارقين علامة فارقة في الحفاظ على جودة المحتوى وتمايزه.